بسم الله الرحمن الرحيم
ابني الحبيب ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. وبعد
أكتب إليك هذه الرسالة لتنقل لك حبي وأشواقي وتقديري واحترامي ، أكتبها إليك لأعرفك بحقوقك عند الله سبحانه وتعالى وعند رسوله صلى الله عليه وسلم ، وعلى والديك والمجتمع .
أكتبها إليك لتعلم أن الله سبحانه وتعالى يحبك ، وأعطاك حقوقًا لم يعطها لك أحدًا من قبله ، ولن يعطيها لك أحدًا أبدًا ، ولتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبك وأنه أعطاك حقوقًا لم يعطها لك أحد آخر من خلق الله .
أكتبها إليك حتى لا يكذب عليك أحد ويخدعك ويقول لك أن الإسلام ظلمك وأن بعض النظم الدولية هي التي حمت لك حقوقك ، فتحبها وتكره دينك .
بالعكس يا ابني الحبيب الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقك ، ووهبك ، وأعطاك ، وأهداك العقل الذي تفكر به ، والأعين التي ترى بها ، والآذان التي تسمع بها ، واللسان الذي تتكلم به ، ويساعدك على بلع الطعام وتذوقه ومعرفة حلوه من مره ، وأعطاك الله القدمين واليدين والأصابع التي تمسك بها وتكتب بها ، وتلعب بها ، وإذا أردت أن تعرف قيمة أصابعك اربط يدك بمنديل أو قطعة قماش ثم حاول بعد ذلك تناول الأشياء ، أو تشغيل الكمبيوتر أو أي لعبة عندك لتعلم أهمية هذه النعمة ، وأعطاك الله سبحانه وتعالى الأسنان القوية والجلد الحسن والشعر الجميل وكل مكونات جسمك الجميل .
واعلم ابني الحبيب أن الله سبحانه وتعالى خلق أبيك آدم بيديه ، وخلق أمك حواء وكرمك الله وجعلك مخلوقًا مكرمًا كما قال تعالى : ] وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً [ [الإسراء: 70] ، ولم يخلقك الله تعالى عبثًا بل خلقك لغاية مقدرة ، ولم يتركك هملاً بعد أن خلقك بل أرسل إليك الرسل ، وانزل إليك الكتب وبين لك ما ينفعك في الدنيا والآخرة ، وما يحبه لك ، فهداك ، وعلمك ، وأخرجك من الظلمات إلى النور ، وحفظ لك الكتاب الخاتم القرآن الكريم من التحريف والتزييف ، ليكون معك شاهدًا على حب الله تعالى لك وأنه سبحانه وتعالى معك ، يحفظك ويرزقك ، ويشفيك ، ويقبل التوبة منك .
الله سبحانه وتعالى جعل لك من الحقوق ما يحفظ بها كرامتك ، فطلب من أبيك أن يتزوج أمك ، وأن يعلنا ذلك للجميع حتى يعلموا أن هذه أمك وهذا أبيك ، وزرع الله سبحانه وتعالى حبك في قلب أمك وفي قلب أبيك ، فتشوقًا ليوم ميلادك وحافظا على صحتك ، وذهبت أمك إلى الطبيب لتطمئن على صحتك ، وتغذت الغذاء الصحي لتنمو في بطن أمك النمو الصحي والسليم ، وامتنعت أمك عن المواد المضرة بصحتك من التدخين والجراثيم والميكروبات والمواد الكيماوية والأشعة وحمتك من الصدمات وكل ما يسبب لك الضرر وأنت في بطن أمك ، وفرح الجميع بنموك في بطن أمك ، وانتظروا يوم ميلادك واستعدوا له .
كما حفظ الله تعالى لك بيئتك الرحمية من الجراثيم ، وخلط الأنساب ، وجعل بيئة الرحم محرمة على كل إنسان إلا والدك ، وبذلك حفظ الله سبحانه وتعالى عليك نسبك ، وأشهد الناس على أن صاحب الزراعة في هذه البيئة الرحِمية الطاهرة هو والدك .
وأمر الله سبحانه وتعالى أبويك باختيار الاسم الحسن لك حتى لا تتضايق بعد ذلك من اسمك ، كما أمر الله سبحانه وتعالى أبوك أن يختار لك الأم الصالحة بنت الأصول الوراثية والاجتماعية والتربوية المتميزة ، وأمر أمك أن تختار لك الأب المؤمن القوي الصحيح الصحة ، والقادر على تجهيز بيت الأسرة ، والإنفاق على الأسرة ، وأمره بالحفاظ على صحة ولدتك ، ودينها ، وحالتها النفسية وجعل ذلك من المقربات إلى الله تعالى، ومن الأسس الدينية للأسرة السعيدة .
ثم أمر أمك أن ترضعك لمدة عامين كاملين ، الرضاعة الصحية ، وأودع في قلبها حبك والعطف عليك ، والخوف عليك ؛ قال تعالى : ] وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ [ [البقرة: 233] .
ثم أمر الله سبحانه وتعالى والديك بحسن تربيتك وتعليمك الصدق ، والشجاعة ، والشهامة ، والحرية ، والعلم النافع ، وجعل لهما الثواب الكبير على تربيتك ، ورعايتك وقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ألا كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسؤول عنهم ) [رواه مسلم] .
وكفل الله لك الحق في الحياة وأنت جنين ، وحرم قتلك وأنت طفل صغير ، وحرم الله الاعتداء عليك بدنيًا ونفسيًا واجتماعيًا في أي مرحلة من مراحل حياتك ، فقال تعالى : ]وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْءاً كَبِيراً[ [الإسراء: 31] .
هذا حقك في الحياة كفله الله سبحانه وتعالى لك منذ خلق الله آدم عليه السلام ، والذي لم تعرفه المدنية الحديثة إلاَّ حديثًا ، فاعلم ذلك لتعتز بدينك وحب ربك ورسولك ، ولا يخدعك أحد ويقول لك أن الإسلام أهدرك حقوقك وحرمك منها .
ومن الحقوق التي كفلها الله تعالى وحفظها لك حقك في الانتساب إلى أبيك ، وحرم الله أن يأخذك غير أبيك وينسبك إليه ، فيلحق بك العار بين أقرانك عندما يعلمون أنك منتسب لغير أبيك ، فقال تعالى : ]ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ[ [الأحزاب: 5] .
وهذه نعمة كبرى ، فأنت تعلم علم اليقين مَنْ أبوك ، وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها من اللقطاء وغيرهم .
ومن الحقوق التي كفلها الله لك حقك في الرعاية في الصغر ، والعناية بك من حيث النظافة ، والمأكل ، والمشرب ، والملبس ، ومن يهمل في هذا الحق يعاقب عند الله في الآخرة ، وجعل الله سبحانه وتعالى هذه مسؤولية الوالدين ، أومسؤولية الأم عند غياب الأب ، وجعل الله رعايتك أوجب شيء على أمك وأبيك وأجدادك .
فديننا دين الرحمة ، والمحبة ، والعناية ، والرعاية ، وسبق الإسلام البشرية في هذا الحق لك ، فاعلم ذلك لتعلم رحمة الله تعالى بك ، ولتعلم عظمة دينك ، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بمداعبتك وأنت صغير ، وقد كفل الله لك حق المساواة مع جميع الأطفال وخاصة مع إخوانك ، فالعدل بين الأولاد واجب ذكورًا أو إناثًا دون تفريق بين الولد والبنت ، لذلك وجب عليك أن لا تظن لأنك ولد مفضل على أختك البنت ، أنت ولد لك حقوق وعليك واجبات ، ولك متطلبات تخصك كولد في الملابس والألعاب ، ولأختك متطلبات تخصها في الملابس والألعاب ، ومحاولة الولد التميز على اخته يورث النفوس الضغينة ، ويخالف شرع الله ، والمساواة بين الولد والبنت في الإسلام ليس معناه إلغاء الفوارق الجسمية والنفسية والدينية بين الولد والبنت ، وأعني بالولد هنا الذكر والبنت هي الأنثى ، فلا تجعل أحدًا يقنعك أنك أفضل من أختك لكونك ذكرًا ، ولا تجعل أحدًا يساوي بينك وبينها في كل شيء ، لأن لكل مسؤولية ووظيفة في الحياة ، والحياة لا تستغني عن الذكر ولا تستغني عن الأنثى ، كلاكما يكمل بعضكم البعض ، والحياة من دون النوع الآخر لا تستقيم ولا تنتظم .
وقد كفلت الشريعة الإسلامية ، ودين الله حقك في التعليم ، فديننا دين العلم وأول كلمة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ] اقرأ [ ، لم يقل صل أو صم أو حج أو وحَّدْ ، ولكن قال اقرأ ، لأن القراءة طريق العلم ، والعلم ، طريق التوحيد ومعرفة دين الله ، وبذلك جعل الله للعلم مكانة عالية ، وفضل الذين يعلمون على الذين لا يعلمون ، قال تعالى : ]قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ[ [الزمر: 9] .
ومن حق الولد على والده أن يُحسن تسميته ، ويعلمه الكتابة ، وفي غزوة بدر جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء الأسير أن يُعلم أولاد المسلمين الكتابة ، وجعل المصطفى صلى الله عليه وسلم طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ، والإسلام غير مسؤول عن الأمية المنتشرة في المجتمعات المسلمة ، ولكن الجهل هو السبب في لتفشي هذا الجهل ، فلا يوحين لك أحد أن الإسلام هو سبب تخلف المسلمين ، المسلمون عندما تمسكوا بدينهم تعلموا العلوم النافعة الشرعية ، والكونية ، وابرعوا وتفوقوا وأبدعوا ، ويشهد على ذلك الجوانب العلمية في الحضارة الإسلامية ، وعليك أن تبحث عن دور المسلمين في بناء الحياة العلمية في حضارتهم الإسلامية لتعلم أن ابن النفيس اكتشف الدورة الدموية الصغرى ، وابن الهيثم صحح أخطاء السابقين في الضوء ونحن الذين اخترعنا الصفر ولولا هذا الاختراع لتعقدت الحياة الرياضية في العالم ، والأرقام التي تكتب بها أوروبا هي أرقام عربية إسلامية ، وعليك ابني الحبيب أن تتعاون مع أقرانك ، وأن تتفوق في دراستك ، وأن تتعاونوا على العودة بنا إلى مجدنا العلمي السابق ولا تجعل أحدًا يقنعك أن الإسلام هو سبب تخلفنا ، بالعكس عندما تمسكنا بالإسلام تقدمنا ، وعندما تخلينا عن ديننا تخلفنا ، وعودتنا إلى عزتنا العلمية مسؤوليتك ومسؤولية الجيل الذي تنتمي إليه أنت .
تعاون مع زملائك لعودتنا إلى التقدم العلمي والقيادة الخُلقية للعالم نحن نحتاج إلى جيل من أمثالك من صناع الحياة ، وصناع الحضارة الخلقية فهل نستطيع ذلك ؟!
ابني الحبيب :
لقد كفلت الشريعة الإسلامية لك حقًا لم تكفله النظم الوضعية، وإنما كفله الدين وكفلته الشرائع الإلهية ، وهو حقك في التربية الإيمانية ، فجميع النظم الوضعية نظرت إليك كبناء جسدي حيوي أو آلة حيوية ، وأغفلت الحالة الإيمانية الشرعية ، فالإيمان فطرة أودعها الله فيك وفي بني البشر كما قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : ( كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ) [رواه البخاري] ، فكلنا يولد على الإيمان الخالص ، والتوحيد الخالص ، ثم تلعب التربية الدور الرئيس في إبعادنا عن الإيمان أو اقترابنا منه .
ولذلك كفل الإسلام لك حق التربية الإيمانية المتمشية مع فطرتك ؛ والتربية الإيمانية وقاية للصغير وصونًا له من الخروج عن القيم الأصيلة .
لذلك أوجب الإسلام على الوالدين تربية الأبناء الأدب الحسن ، وتعويدهم الفضائل ، وجذبهم إلى الأخلاق العظيمة ، والأولاد أمانة في عنق الوالدين ، وهما مسؤولان عنهم يوم القيامة ، وبتربيتهم التربية الإيمانية الخلقية وقاية لهم من الانحراف الخلقي في الدنيا ومن ودخول النار في الآخرة ، والخلود معًا في جنة النعيم ، حيث النعيم الدائم والمقيم ، قال تعالى : ]وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ[ [الطور: 21] .
والله يوصي الآباء ويقول لهم : ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[ [التحريم: 6] .
فمن حقك علينا أن نعلمك ونربيك التربية الإيمانية التي تسعدك في الدنيا وتقيك من النار في الآخرة .
ابني الحبيب : البيت ليس معلفًا للأجساد ولا مأوى للغرائز البدنية ، ولكن البيت هو المكان الذي نعيش فيه مع من نحب من الآباء والأخوة والأرحام ومن نحبهم ومن نتعلم منهم حب الله تعالى ، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وحب الخير ، وحب الأخلاق ، وحب الدنيا ، وحب الآخرة ، نحن نأكل ونلبس ونتمتع لنعيش في هذه الحياة وفق منهاج الله ، ولكننا لا نعيش لنأكل ونشرب ونلبس ثم نموت كما تموت الأنعام ؛ قال تعالى : ]إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ[ [محمد: 12] .
فالذي يتمتع ويأكل كالأنعام مثواه النار ، والذي يتمتع ويأكل لطاعة الله والعمل الصالح له جنات تجري من تحتها الأنهار فتمتع وكل ، تمتع وكل أكل المؤمنين ، وتجنب التمتع والأكل البهيمي الحيواني المادي فقط .
وقد جعل الله لك حق التربية الإيمانية التي تفتقدها النظم المادية الوضعية ، لذلك رغم النعيم الدنيوي العميم الذي هم فيه فهم غير سعداء لأن الروح شقية جائعة وغذاؤها الإيمان والتربية الإيمانية فكم تساوي هذه النعمة يا ابني الحبيب ؟!
اسمع لقمان الحكيم وهو يربي ابنه التربية الإيمانية كما قال الله تعالى : ]وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[ [لقمان: 13-19] .
هذه هي التربية الإيمانية ، وهي حق لك غير موجود في كل النظم الوضعية غير الشرعية .
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم معاذ بن جبل فيقول له : ( يا معاذ ؛ اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة بالحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن ) [حديث صحيح بجميع شواهده] .
وكان معاذ رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة عليَّة فإنه قال له : ( يا معاذ ؛ والله إني لأحبك ) [جزء من حديث صحيح] ، وهذه الوصية فيها حق الله وحق العباد : ( اتق الله حيثما كنت ) كلمة جامعة في السر والعلانية ، ( وخالق الناس بخلق حسن ) حق العباد ، وهذه قمة التربية الإيمانية ، إعطاء كل ذي حق حقه وتقوى الله في كل مكان ، ومحبته وطاعته في كل زمان ومكان .
وعلم المصطفى صلى الله عليه وسلم ابن عباس التربية الإيمانية فقال : ( يا غلام إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظ ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) [حديث حسن صحيح] .
وهذا الحديث يهز القلب هزًا عميقًا متواصلاً ليطبع فيه عقيدة التوحيد ، وينفي عنه كل شبهة من شبهات الشرك فتردد معاني التوحيد في مقاطعة على فترات متقاربة إما نصًا وإما معنًا.( دراسات في الحديث النبوي ، محمد الندوي ، مكتبة العبيكان : الرياض (ص: 51) (1995م) ).
هذا يا بني حقك في التربية الخُلقية الإيمانية التوحيدية التي لن تجدها إلاَّ في الإسلام دين الله ، وعند الموحدين غير المبتدعين ، فتمسك بها ، واعلم أن فيها سعادتك في الدنيا والآخرة .
ابني الحبيب :
حمى الإسلام حقوق الإنسان وهو ميت كما حماها وهو حي ، فقد كَرم الله الإنسان حيًا وميتًا ، واعتبر حرمة الميت واجبة شرعًا وكلف الشرع الإسلامي الأقارب ، والمجتمع ، والأمة ، والدولة ، بحماية جثمان الميت ودفنه وفق الشريعة ، ومنع التشهير به بعد الموت ، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التمثيل والتنكيل بالميت والقتيل ، ولو كان من الأعداء المحاربين في المعركة ، وبين صلى الله عليه وسلم أن كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم ، ويخرج من هذا التشريح للدراسة والتعليم وفي الحالات الجنائية ، وأوجب الإسلام غسل الميت ، وتكفينه ودفنه وأوصى بتنفيذ وصيته ، ومن حق المسلم على المسلم المشاركة في جنازته مع احترام جنازة الميت حتى ولو لم يكن مسلمًا .
وحمى الإسلام عرض الميت ومن الهدى النبوي ( اذكروا محاسن موتاكم ) [رواه أبو داود] .
ومنع الجلوس والمشي على القبور ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لئن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه ، فتخلص إلى جلده ، خير له من أن يجلس على قبر ) [رواه مسلم] .
وتبرئة لذمة الميت فقد أوجب الشرع وفاء دينه قبل تقسيم التركة وبذلك حفظ الله سمعة الإنسان الميت قال تعالى : ] مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِها أوْ دَيْن [ [النساء: 12] .